تزدحم اشكال التجارب الابداعية النسوية في العالم العربي وتختلف مجالات التعبير وتتنوع، فكرا ودلالة، وتحتضن سلطنة عمان طاقات ابداع متعددة وفق تنوع أساليب الطرح الجمالي في المشهد التشكيلي المعاصر. و تتصدر تجربة الفنانة العمانية عالية الفارسي، مراتب متميزة للبحث الفني الدؤوب، والمتشبث بترجمة الطابع الثقافي العماني واستدامته في أروقة اللوحات وتعبيريتها.
عالية الفارسي فنانة معاصرة، تتميز بتمرّسها للون والشكل في ربوع الفنون المعاصرة والغارقة في إشكاليات التكنولوجيا والرقمي. تبحر تجربة الفارسي في عوالم من التزهد التعبيرى والتصوّف التشكيلي لجلّ ممارساتها الإبداعية ، فكيف تتجلّى شخوص عالية في سماء اللوحة؟ وكيف تنسج الفنانة ثوبا من النقوش والزخارف والألوان في ربوع القماشة الممتدة؟ هل تترجم اللوحات المشهد الحيوي في المجتمع وادراك الهوية العربية في طابعها العماني؟ ثم الى أي مدى راوحت عالية الفارسي بين علوّ اللون وعلياء الشعر المتناثر شكلا في جسد اللوحة؟ بين المقروء والمبصور تتراوح التجربة التصويرية في ثنايا البحث المتمرّس بخصوية المناخ الفني المحلّي ورهاناته المشهدية. وتأكيدا على جماليات التلقى وأساليب التفاعل، تذهب عالية الفارسي بعيدا في طرق التواصل الاجتماعي ودلالات الرقمي وتطويع سياقات العرض والانتشار للوصول الى مصاف العالمية، فالى أي مدى أصبحت فنون التلقّى الافتراضي راهن للدّعم وتنشيط وتجديد رحلة البناء المعاصر للذائقة البصرية ؟ والى أي مدى تسكن اللوحة واللون والشكل افق البحث المتصوف في علياء الحب التشكيلي وجماليات التعبير الغارقة في الموروثات الشعبية والخارقة لنظم التوحّد في النمطيّة؟
الأجساد الملوّنة ترف مشهدي يكتسح اللوحة:
ترسم عالية الفارسي من العوالم ما يسمح لها بملامسة الخيال والذود عنه في واقع من العلامات الهاربة من حدود الواقع وتمثلاته، ومن خلال التوجهات الفكرية للفنانة وتخصيبها للشعر كقافية تصويرية فاننا ندرك سلاسة التشكيل لديها وولادة أجساد الحلم المتخيّل. وما بين المنطوق والمبصر تتلاحم االصور التشكيلية في لوحات عالية االفارسي، فلا تخضع بدورها لرهانات االحجم والتقنية الكلاسيكية، بل تقتصّ المبدعة من اشكاليات التعبير وتوظيفات اللون وماديته فرصا مختلفة لطرحها في الاثر التصويري. تتعدد المواضيع التشكيلية المتناثرة على اروقة اللوحات الصرحية واجساد الشخوص المصوّرة ، وتتلبّس بابهى حلل الزخرفة وتتعانق مع محيطها التعبيري المتّقد بتثمينات الموروث المحلّي.
ومن خلال إشكاليات النسيج التفاعلي بين المنطوق والمبصر عملت الفنانة العمانية على الارتقاء بلوحاتها الصرحية الى افق الترجمة المشهدية لعدّة نصوص شعرية. ولم تقف تجربة الالهام الشعري في التشكيل الخاص بعالية الفارسي، بل طعّمتها بطرق تخصيب متفاوتة التقنيات والتركيبات المتجددة للاجساد المصورة. فكيف راوحت بين الجسد والعمارة في المشهد التشكيلي الخاص بها؟ وكيف تشبعت الصورة بالمناهل التجريدية والتعبيرية في ذات الحين.
لا يسعنا حصر لوحات عالية الفارسي لاعددا ولا نوعا، بل ان الانغماس الصارخ في حرية الابداع كان طريقها الاوفى للخلاص من بداهة اليومي والارتقاء به الى أحلام لونية. هذه الاحلام التي ارتسمت في وجوه الشخوص المتشابهة والملتحمة والمتراكبة حينا والمتعانقة المتجاورة أحيانا أخرى.ان الوان الفارسي وان بهتت درجاتها في جزء من التركيبة وسطعت في اجزاء أخرى في اللوحة، لم يفقد بريق الأثر ووضوح بلاغة الاسلوب المتاسس على التضادات اللونية والكميّة وتطعيمها ببحور الرماديات ودرجاته المضاعفة ، وتعميق الشكل بالخطوط المرسومة بتقنيات الفحم او الباستيل، لتصنع الفنانة من اعمالها منسوجة مشهدية ذات تقنيات مزدوجة تعانق افق البهاء وسريانه في رحاب التراقص اللوني في محراب البحث التعبيري واستدامته.
يكتب واسيني الاعرج سرابا انثويا صارخا في محراب الالهام، لتتوقف عالية الفارسي طويلا امام نصوصه، فتتشبع منها وتتفاعل معها وتشكّل حينها وجوها خائفة الملامح. ان الوقوف امام هذا التنوع والتشابه في الاختلاف في أثر الفارسي يعود الى وحدة المناخ التصويري الذي تعالجه بدقة وامتنان لكل النصوص التي قراتها ولكل الاشعار التي فتنتها. انها فتنة الحدس الواضحة في الوجوه المتشابهة ذات الملامح المتقاربة في حجم الانف والعين الحور والفم المكتنز والألوان المتشكلة دون ادني واقعية تمثيلية. لقد ولّدت الفنانة شخوصها بملامح تبعد عن التمثيل المثالي، بل وجدت طريق تشكيلها في دمج الواقعية التجريدية بتعبيرية تنتجها الملونة والنقاط والأحجام المتناثرة في جسد اللوحة.
تناسجت الخيوط لونا وملبسا، تغطي سكون الشخوص الغارقة في حركة خارجية باطنية ترتقي بهم الى كينونة التعلّق الخاص بين الفنانة ومحرابها الفني، فتغرق في عزلة الابداع المولّد لطاقات من التفاعلات الشكلية واللونية والعوالم التجريدية والتمثيلية. بين الحلم وملونته والواقع وتشكيلته، تقف اعمال عالية الفارسي في مسارات الجمالي المتعدد والمخضّب بتراكمات الصور الذهنية المكتسبة من الواقع المحيط بها ومسايرة الزمن الذي تعيشه في أروقة الماضي والحاضر وما بينهما من عالم الولادة الفنية. للفنانة اعمال مختلفة التمثلات ومتشابهة في واقع التمعّن والتأملات، لنقف عند بحور من الغرابة الممزوجة بطعم الاكتشافات المستترة تحت زخارف الملابس التي تزّف بها شخوصها، وبين أروقة العمارة التي تؤثث بها خلفيات لوحاتها. بين الجزء والكل تتفنن عالية الفارسي في تقمّص اللعبة التصويرية وتحملها مشهدية غارقة في افق التقرب والتزهد للذات المخفية في بواطن الفرد المبدع فينا. وبين الانا هو، والهو انا، تتكامل اساور الرحلة الشهرزادية في الفية لا تختفي بذورها مادامت الألوان والقماشة البيضاء سكن وعشق لعالية الفارسي.
تزدهر التجربة الفنية العمانية بطاقة الابداع النسوي وتحتل الفارسي القسط الوافر منه لكي تنغمس وبكل شاعرية تحملها وبكل تزهّد الفن وتصوراته الروحانية المبثوثة شكلا وحرفا ونقطة ولونا في طيات اعمالها التصويرية، الا ان إيقاع اللوحة لا ينضب فتتحول الصور الى خطابات راقصة لا تفصح بمكنونها الا لمن يتقن فن الانغماس وبواطنه. وفي زمن التفاعل واشكال الانغماس تتقن الفنانة اللعبة الجمالية في رحاب العصر ورقمتنه لتؤسس بأجسادها المصورة وبنصوصها الشعرية المنتقاة طرقا لنشر الأثر على صفحات التواصل الاجتماعي ولتبحر بدورها في عالم الفن وضرورة البناء الرقمي في تمرير وتكوين وتفعيل العلاقة المشهدية بين الانا والاخر ولعبة التشارك الراهنة وعولمتها.
د.هالة الهذيلي
ناقد وكاتبة تونسية
عرضنا لكم زوارنا الكرام أهم التفاصيل عن خبر أروقة “الجسد ” في رحاب التشكيل المتصوّف لعالية الفارسية على دوت الخليج فى هذا المقال ونتمى ان نكون قدمنا لكم كافة التفاصيل بشكل واضح وبمزيد من المصداقية والشفافية واذا اردتكم متابعة المزيد من اخبارنا يمكنكم الاشتراك معنا مجانا عن طريق نظام التنبيهات الخاص بنا على متصفحكم او عبر الانضمام الى القائمة البريدية ونحن نتشوف بامدادكم بكل ما هو جديد.
كما وجب علينا بان نذكر لكم بأن هذا المحتوى منشور بالفعل على موقع الوطن (عمان) وربما قد قام فريق التحرير في دوت الخليج بالتاكد منه او التعديل علية اوالاقتباس منه او قد يكون تم نقله بالكامل ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر من مصدره الاساسي.