دبي - احمد فتحي في الأحد 5 يناير 2025 05:11 مساءً - فاطمة أبو زيد ويارا الجنايني _ يرى مجدي طلبة رئيس شركة (T&C) للملابس الجاهزة أن المبادرات الحكومية الأخيرة لدعم القطاع الصناعي قد تكون مفيدة في ظاهرها، لكنها في واقع الأمر تفتقر إلى الرؤية الإستراتيجية العميقة التي تضمن الوصول إلى أهداف بعيدة المدى.

وأكد أن المبلغ المخصص لهذه المبادرات، والبالغ 30 مليار جنيه –أي ما يعادل أقل من مليار دولار– يعد ضئيلًا للغاية مقارنة بالاحتياجات الفعلية للنمو الصناعي. وأوضح في تصريحات لجريدة دوت الخليج، أن هذه المبادرات لا تتناسب مع حجم التحديات التي تواجهها الصناعة المحلية، مؤكدًا أن هذا المبلغ يعد بمثابة مسكن للأعراض وليس حلًّا جذريًّا.

وأشار إلى ضرورة أن يتم تحديد حجم المبادرات بناءً على تحليل عميق للواقع الصناعي، بحيث يكون كل قرار مرتبطًا بأرقام واضحة وأطر زمنية محددة، مع وضع أبعاد قابلة للقياس، لتقييم العوائد المتوقعة. وأكد على أهمية أن يتحمل مجتمع الأعمال التزامًا حقيقيًّا في العوائد المنتظرة من هذه المبادرات، قبل أن تكون مسؤولية الحكومة.

وشدد على ضرورة أن تركز الحكومة على استثمار الأموال في الصناعات ذات القيمة المضافة العالية، التي يمكنها أن تساهم بشكل فعّال في تحسين الميزان التجاري، بدلًا من تمويل صناعات لا تساهم في تقليص الفجوة التجارية أو تعزيز القدرة التنافسية للمنتجات المحلية.

وأوضح طلبة أن هناك العديد من الصناعات التي قد تظل سلبية حتى في حال تم ضخ الأموال فيها، حيث إن هذه الصناعات تعتمد على مكونات مستوردة بنسبة 90%، محذرًا من دعم صناعات تفتقر إلى القيمة المضافة العالية، والتي تمثل مكونات إنتاجها أكثر من 100% من قيمة المنتج في الدول المستوردة. وأضاف أنه يجب أن تكون هناك دراسة عميقة للتوجهات المستقبلية لكل صناعة محليًّا، بما يضمن توجيه الدعم إلى الصناعات التي يمكن أن تحقق مردودًا إيجابيًّا على الاقتصاد الوطني.

حجم التمويل المحدد للمشروعات الصناعية لا يتناسب مع تكاليف تحديث المعدات

وفيما يخص سقف التمويل المحدد بـ 75 مليون جنيه لكل عميل، أشار طلبة إلى أن هذا المبلغ لا يعد كافيًا لتمويل توسعات حقيقية في الصناعات الكبيرة. وقال إن تكلفة تحديث الآلات والمعدات الصناعية الحديثة تتجاوز هذا المبلغ بكثير. على سبيل المثال، تكلفة آلة ليزر واحدة قد تصل إلى نحو 18 مليون جنيه. كما أضاف أن المبادرة قد تكون مفيدة في بعض الصناعات الصغيرة والمتوسطة التي تمثل 2% فقط من إجمالي المصانع، لكنها لا تفي بالاحتياجات التمويلية للمصانع الكبرى.

وتابع طلبة أنه رغم أن سعر الفائدة المقدم من الحكومة في إطار هذه المبادرات، والذي يصل إلى 15%، يعد أمرًا إيجابيًّا مقارنة بفوائد البنوك المرتفعة، إلا أن هذا الرقم لا يزال غير كافٍ بالنظر إلى حجم الاستثمارات المطلوبة لتحديث خطوط الإنتاج في الصناعات الكبرى. وأشار إلى أن القروض يجب أن تكون موجهة بشكل رئيسي إلى تحديث تكنولوجيا الصناعة وتعزيز الكفاءة الإنتاجية، وليس فقط لشراء أصول ثابتة أو رأس المال العامل.

وفيما يتعلق بخطط الشركات لزيادة القيمة المضافة المحلية لمنتجاتها في إطار هذه المبادرة، أكد رئيس شركة (T&C) للملابس الجاهزة أن هذا أمر بالغ الأهمية. وقال إن شركته تسعى بشكل حثيث لزيادة نسبة القيمة المضافة في منتجاتها، مشيرًا إلى أنه يتم العمل على تحقيق زيادة في القيمة المضافة المحلية لتصل إلى ما بين 55% و90%. لكن.

المبادرات تأتي بعد تعثر الشركات وتحتاج إلى سياسة وقائية طويلة الأمد

كما أوضح، فإن هذا التوجه يتطلب استثمارات كبيرة في البنية التحتية والإنتاج، حيث تتطلب بعض المنتجات إضافة مراحل إنتاج جديدة أو تحديثات تقنية متقدمة.

ولفت طلبة إلى أن زيادة القيمة المضافة لا تقتصر فقط على إنتاج المنتجات ذات الجودة العالية، بل تشمل أيضًا الحاجة إلى زيادة الطاقة الإنتاجية، وهو ما يتطلب مضاعفة الاستثمارات في معدات التكنولوجيا الحديثة. وأوضح أن شركته تعمل منذ أربع سنوات على تحديث خطوط الإنتاج، مع التركيز على استيراد التكنولوجيا المتقدمة من الخارج، بالإضافة إلى توسيع القدرة الإنتاجية بمقدار ثلاثة أضعاف خلال السنوات الأخيرة.

وفيما يخص المبادرة الحكومية الخاصة بتيسير سداد المديونيات، أشار طلبة إلى أن هذه المبادرات قد تكون مفيدة للبعض، لكنها تظل إجراءات مؤقتة لا تعالج جذور المشكلة. وقال إن هذه المبادرات تأتي بعد أن تقع الشركات في فخ التعثر، في حين يجب أن تكون هناك سياسات وقائية تضمن للقطاع الصناعي العمل بكامل طاقته. وأكد أن وضع قواعد واضحة للمبادرات وتوجيهها إلى الصناعات التي تحتاج إلى دعم حقيقي سيكون أكثر نفعًا على المدى الطويل.

وعن قضية توحيد سعر الغاز بين الشركات الحكومية والخاصة، يرى مجدي طلبة أن تخفيض سعر الغاز أمر ضروري، ولكنه يجب أن يكون جزءًا من خطة أوسع تشمل مراجعة شاملة للضرائب والتأمينات الاجتماعية التي تفرضها الحكومة. وأوضح أن أعباء التأمينات الاجتماعية على الشركات مرتفعة بشكل غير مبرر، حيث أن العامل يدفع حصته من التأمينات من خلال صاحب العمل، وهو ما يمثل عبئًا إضافيًا يؤثر على القدرة التنافسية للشركات.

وفيما يتعلق بسعر الصرف، قال طلبة إن تأثير ارتفاع سعر الصرف قد يكون محدودًا في حال استمر الوضع على ما هو عليه. وأشار إلى أن الحكومة يجب أن تراقب التغيرات في سعر الصرف بشكل دقيق لضمان استقرار الأسعار وتحقيق التوازن في السوق.

وفي ختام حديثه عن المبادرات الحكومية، أكد طلبة على ضرورة أن يكون هناك تركيز حقيقي على إستراتيجيات التنمية الصناعية التي ترتكز على قيمة مضافة عالية وتكنولوجيا متطورة، مع ضرورة أن يتعاون القطاع الخاص والحكومة بشكل فعّال لضمان تنفيذ هذه الإستراتيجيات بنجاح. وأضاف أن على الحكومة أيضًا أن تهتم بتطوير التعليم الفني وتأهيل العمالة المدربة التي تعتبر عنصرًا أساسيًّا في تحقيق أهداف التنمية الصناعية المستدامة.