هل تجدين نفسكِ عزيزتي، في كثيرٍ من الأوقات والحالات، تُسارعين لأخذ مضادٍ حيوي متوفر لديكِ عند البدء بالشعور بالمرض؟ وهل تفعلين ذلك معظم الأحيان، دون العودة لطبيبكِ الخاص؟

إذا كان الأمر كذلك، فاعلمي أنكِ لستِ وحدكِ؛ فهناك الملايين من الناس الذين يقومون بهذا الفعل، لاعتقادهم أن لا حاجة لمراجعة الطبيب أو الصيدلي، ما دام الدواء الموجود لديكِ تمَ وصفه في حالةٍ صحية مشابهة سابقة.

إن اللجوء للمضادات الحيوية بين الحين والآخر، دون استشارةٍ طبية، قد يبدو سليمًا للبعض؛ لكنه وللأسف، يحمل الكثير من التداعيات الصحية الخطيرة، خاصةً في حال أخذ تلك العلاجات لفترةٍ طويلة ودون مراقبة طبية. وهو ما دفع بمنظمة الصحة العالمية، لإطلاق الأسبوع العالمي للتوعية بالمضادات الحيوية في العام 2016، من في الفترة من 14 إلى 20 نوفمبر تحت شعار "المضادات الحيوية: تعامل معها بحرص". وتهدف هذه الحملة السنوية إلى تفعيل الوعي لدى المجتمعات، بشأن مقاومة المضادات الحيوية على الصعيد العالمي؛ كما تدعو الأفراد والحكومات والعاملين الصحيين والقطاع الزراعي إلى اتباع أفضل الممارسات لتجنب المزيد من ظهور المقاومة للمضادات الحيوية وانتشارها.

للوقوف أكثر على مسألة مقاومة المضادات الحيوية وتأثيرها السلبي على صحتنا؛ تحدثنا إلى الدكتور عماد الحامضة، اختصاصي علم الأمراض السريري ومدير مختبر مستشفى فقيه الجامعي بدبي، والذي وافانا بالمعلومات القيَمة الآتية..

مقاومة مضادات الأحياء الدقيقة.. تحديات صحية كبيرة

يُعدَ الأسبوع العالمي للتوعية بمقاومة مضادات الأحياء الدقيقة،فرصةً ذهبية لزيادة الاهتمام بأهمية الجهود العالمية على جميع المستويات، لمعالجة هذه المشكلة المتنامية المتمثلة في مقاومة مضادات الأحياء الدقيقة.

وتُعتبر مقاومة مضادات الأحیاء الدقیقة، واحدةً من أكبر التحدیات التي تواجه الصحة العامة عالمیًا في القرن الواحد والعشرین؛ وھي قضیةٌ صحیة عالمیة مُلحَة تواجه المجتمع الطبي والباحثین وصانعي السیاسات. ویشیر مصطلح مقاومة مضادات الأحیاء الدقیقة إلى قدرة الكائنات الحیة الدقیقة مثل الجراثیم والفطریات والفیروسات، على التكیَف والتطور؛ بحیث تصبح مقاومةً للعلاج بالمضادات الحیویة والأدویة المضادة للفیروسات والفطریات وتفقد الأدویة فعالیتھا ضدھا. وتؤدي ھذه الظاھرة إلى زیادةمعدلات العدوى بین الأفراد والمجتمعات بالكائنات الحیة الدقيقة، وتهديد فعالية العلاجات الحالية، ما قد يتطلب معالجةً جذرية وفهمًا عميقًا للأسباب وطرق الحل.

الأسباب وراء مقاومة مضادات الأحیاء الدقیقة

هناك العديد من الأسباب التي تقف وراء مقاومة مضادات الأحياء الدقيقة، تتمثل في الآتي:

1. الاستخدام المُفرط وغیر المناسب للمضادات الحیویة: یُعدَ الاستخدام المفرط وغیر المناسب للمضادات الحیویة، واحدًا من الأسباب الرئیسیة لظھور مقاومة الأحیاء الدقیقة. وكثيرًا ما یُعطى المضاد الحیوي لمرضى یعانون من عدوى فیروسیة، حیث لا تكون له أي فائدة، ما یزید من احتمالیة تطوَر سلالاتٍ مقاومة. ووفقًا لمنظمة الصحة العالمیة WHO، یتم وصف حوالي %30 من المضادات الحیویة بشكلٍ مفرط أو غیر ضروري لعلاج الحالات المرضیة التي لا تتطلبھا، مثل العدوى الفیروسیة.
2. الحصول الذاتي على الأدویة: في بعض الدول، یمكن للأفراد الحصول على الأدویة دون وصفةٍ طبیة، ما یساھم في الاستخدام غیر المدروس للمضادات الحیویة.
3. التشخیص الخاطئوالوصفات الطبیة الخاطئة: قد یقود تشخیصٌ غیرصحیح إلى وصف مضادٍ حیوي غیر مناسب، ما یساھم في ظھور هذه المقاومة، وكذلك الإفراط في وصف مضاداتٍ حیویة معینة، إلى تطویر سلالاتٍ مقاومة. كما أن العدید من الأطباء، تحت ضغط المرضى أو عدم الیقین، یصفونالمضادات الحیویة كإجراءٍ احترازي.
4. ضعف التشخیص والتقنیات: في العدید من المناطق، یعاني الناس من عدم الوصول إلى رعایةٍ صحیة مناسبة، ما يؤدي إلى استخدام مضاداتٍ حیویة غیر مناسبة للعلاج.
5. استخدام المضادات الحیویة في الزراعة: یتم استخدام المضادات الحیویة في تربیة الحیوانات، لتحسین النمو ومنع الأمراض؛ ما یؤدي إلى ظھور سلالاتٍ مقاومة في البیئة. ویمكن أن تنتقل ھذه المقاومة إلى البشر عن طریق استھلاك اللحوم أو التلوث البیئي.

الآثار المترتبة على مقاومة مضادات الأحیاء الدقیقة

لا شك في أن مقاومة المضادات الحيوية قد تتسبب في مضاعفاتٍ عدة، بعضها قد يصل إلى حد الوفاة كما يقول الدكتور الحامضة؛ والذي يشير إلى آثارٍ متوقعة لهذه المقاومة تتلخص فيما يلي:

• زیادة معدلات الإصابة والوفیات: تؤدي مقاومة الأدویة إلى ارتفاعمعدلات العدوى المستعصیة، وتصبح الأمراض التي كانت بسیطةً في السابق أكثر تعقیدًا وحدوثًا، ما یستدعي علاجاتٍ أغلى ومعقدة أكثر؛ ما قد یتسبب في زیادة حالات الوفاة في بعض الأحیان بسبب عدم القدرة على معالجة ھذه العدوى بشكلٍ فعال. وتُعدَ ھذه الزیادة أحد أبرز الآثار الناتجة عن مقاومة مضادات الأحیاء الدقیقة.
• زیادة تكالیف الرعایة الصحیة: یتطلب علاج العدوى المقاومة مزیدًا من الموارد الطبیة، بما في ذلك الأدویة المتقدمة والرعایة المدیدة في المستشفیات، ما يتسبببضغطِ على الأنظمة والموارد الصحیة.
• مدة العلاج الأطول: قد تحتاج العدوى المقاومة إلى فترات علاجٍ أطول، وهو ما قد یزید من خطر المضاعفات.
• التأثیر على الإجراءات الطبیة: تصبح الإجراءات الطبیة الروتینیة مثلالعملیات الجراحیة والرعایة المركزة أكثر خطورةً على المرضى؛ حیث أن العدوى قد تكون أكثر صعوبةًلجهة التحكم بھا، مع وجود سلالاتٍ مقاومة.

الحلول المقترحة لمواجھة مقاومة مضادات الأحیاء الدقیقة

لكل مشكلةٍ حل، هذا ما تعلمناه منذ الصغر، وهذا ما ينطبق على مشكلةٍ مستحدثة وخطيرة كمشكلة مقاومة مضادات الأحياء الدقيقة.

ويشرح لنا الدكتور الحامضة للحلول المقترحة لمواجهة هذه المقاومة، من خلال التالي:

1. التثقیف والتوعیة: من الضروري زیادة الوعي بأھمیة استخدام المضادات الحیویة فقط عند الحاجة. ویشمل ذلك توعیة الأطباء والمرضى بأھمیة التشخیص الدقیق، وفھم متى یكون استخدام المضادات الحیویة مناسبًا، وما ھي المخاطر المحتملة لاستخدامھا بشكل مفرط.
2. تعزیز أدوات التشخیص: تطویر أدوات تشخیصٍ أسرع وأكثر دقةً، سيساعد على تحديد سببالعدوىبدقة،مایمّكنَ الأطباءمناتخاذقراراتٍ صحیحة بشأن استخدام المضادات الحیویة في وقتٍ أبكر.
3. اعتماد وسائل بدیلة للعلاج: یجب البحث عن أسالیب جدیدة لعلاج العدوى مثلالعلاج بالفیروسات، العلاج المناعي، أو استخدام المواد الطبیعیة كالزیوت الأساسیة. وقد تُوفر ھذه الخیارات بدائل فعالة للمضادات الحیویة التقلیدیة.
4. تطویر أدویةٍ جدیدة: من الضروري استثمار المزید من الموارد في البحث والتطویر لإنتاج مضاداتٍ حیویة جدیدة تُعد ضروریة في مكافحة مقاومة الأحياء الدقيقة. وهذا يتطلب دعمًا من الحكوماتوالشركات الصیدلانیة الخاصة، لإنشاء شراكاتٍ تدعم الابتكار وتشجیع على تطویر مضاداتٍ حیویة جدیدة لمواجھة السلالات المقاومة.
5. تحسین الاقتصادیات الصحیة والسیاسات الزراعیة:ينبغي على الحكومات وضع سیاساتٍ تدعم الاستخدام المستدام للمضادات الحیویة، ما یُشجع على الأبحاث الجدیدة ویُحسَن طرق الاستخدام في الزراعة. كذلك یتعین تحدید استخدام المضادات الحیویة بعنایة في تربیة الحیوان وتقلیل استخدامها غیر الضروري.

   

6. تحسین المراقبة ورصد الاستخدام والمقاومة: یجب إنشاء وتنفیذ أنظمةٍ فعالة لرصد استخدام المضادات الحیویة وكفاءة الأدویة على مستوى محلي وعالمي، ما یُتیح جمع البیانات وتحلیلھا. وستُمكَن ھذه الأنظمة من تحدیدالاتجاھات والأنماط في مقاومة الأدویة، الأمر الذي یساعد في اتخاذ القرارات السلیمة على مستوى السیاسات الصحیة وتحسین الاستجابة لھذا التحدي.
7. التعاون الدولي: ھذه الظاھرة لیست محلیة بل عالمیة، لذا یجب توحید الجھود بین كافة الدول. وتعمل منظمة الصحة العالمیة على تعزیز التعاون الدولي لمواجھة مقاومة المضادات، وتحقیق تقدمٍ عبر التدریب ورفع مستوى الوعي.

في الختام؛ فإن مقاومة مضادات الأحیاء الدقیقة تُعدَ مشكلةً معقدة تتطلب تعاونًا عالمیًا لتطویر استراتیجیاتٍ فعالة للتصدي لھا. ومن خلال زیادة الوعي وتخطیط السیاسات المناسبة واستثمار الموارد في البحث والتطویر، یمكن الحفاظ على فعالیة المضادات الحیویة وضمان إمكانیة علاج العدوى في المستقبل.

المجتمع الطبي، الحكومات، والصناعات الزراعیة، والجمھور بشكل عام،یجب أن یتعاونوا معًا لجعل الاستخدام السلیم للمضادات الحیویة أولویةً حقیقیة.