- موقفه عند وفاة الرسول يوحى بشخصية قوية فذة استقر الإيمان فى قلبها فلا يحركها «الزلزال العظيم»
- أبوبكر تعامل مع السيدة فاطمة بقانون «لا استثناء لكائن من كان ولو كانت بنت محمد»
- الصديق صمت بشكل تام بعد محنة الإفك التى تعرضت لها ابنته السيدة عائشة لإحساسه الكبير بكرامته
الثابت فى الذهنية الإسلامية العامة أن أبا بكر الصديق كان رجلًا حكيمًا، لا يتورط فى خلافات أو يشتبك مع خصومه، لكن نظمى لوقا فى كتابه «أبوبكر حوارى محمد» يمسك من سيرته ما يشير إلى أنه كانت هناك أشياء أخرى، لا يعرفها الكثيرون عنه.
من ذلك مثلًا أن أبا بكر الصديق لعب بعد الهجرة دورًا ضد عدد من سكان المدينة الذين يخالفون الدعوة الجديدة ويصدون عنها.
يذهب نظمى إلى ابن اسحاق، وينقل من سيرة ابن هشام.
دخل أبوبكر الصديق بيت المدارس «وهو البيت الذى يتدارس فيه اليهود كتابهم المقدس»، فوجدهم وقد اجتمعوا إلى رجل منهم اسمه «فنحاص» وكان من علمائهم وأحبارهم، ومعه حبر من أحبار اليهود الكبار اسمه أشيع.
دون مقدمات قال أبوبكر لفنحاص: ويحك يا فنحاص اتق الله وأسلم.
فرد عليه: والله يا أبا بكر ما بنا إلى الله فقر، وإنه إلينا فقير، وما نتضرع إليه كما يتضرع إلينا، وإنا عنه لأغنياء، وما هو عنا بغنى، ولو كان عنا غنيًا ما استقرضنا أموالنا كما يزعم صاحبكم، ينهاكم عن الربا ويعطيناه، ولو كان عنا غنيًا ما أعطانا الربا.
غضب أبوبكر من مقال فنحاص، فضرب وجهه ضربًا شديدًا مبرحًا.
وقال له: والذى نفسى بيده لولا العهد الذى بيننا وبينكم لضربت رأسك يا عدو الله.
يبدى نظمى لوقا إعجابًا شديدًا بموقف أبى بكر وما فعله.
يقول عن ذلك: ما أوضح من ذلك يكون التصدى والتحدى، يدخل على اليهود عقر دارهم وهم فيها جمع كبير، فيدعو أحبارهم إلى الإسلام، وحين سمع ردًا قبيحًا فى حق الله لم يملك نفسه من الغضب، وهو فرد وسط جماعتهم الكبيرة، فضرب وجه فنحاص ضربًا شديدًا وهدده بضرب عنقه لولا العهد.
لم يكن أبوبكر وحده من حظى بإعجاب نظمى.
غضبه أيضًا كان محلًا للإعجاب.
يقول عنه:
«غضب شديد لا يقيم وزنًا للمخاطر، وهذا شأن النفس الجياشة التى إن مس شىء موضوع عاطفتها الكبرى لم تقم وزنًا لشىء، وكأنما مس ذلك لغمًا شديد التفجر. غضب نزل فيه قرآن، (ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرًا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور).. غضب ينسى كل شىء ليفوته عزم الأمور، وهو اللبيب الحصيف الأريف الوقور، وهذا نمط من سيرته فى صحبة النبى، وزيرًا ومؤازرًا وصاحبًا ومشيرًا ونصيرًا، نمط حماسة لا تخمد، وهمة لا تفتر، وحب ليس له حد، وغيرة كلها إقدام».
وكما سار نظمى لوقا مع أبى بكر فى مواطن عبقرياته وبطولاته، وقف إلى جواره فى أوقات أزماته، وهنا أعتقد أنه من المهم أن نثبت ما رآه الفيلسوف المسيحى فى ثلاثة مواقف مر بها أبوبكر وأبدى خلالها ثباتًا كبيرًا.
أولها: محنة الإفك التى تعرضت لها ابنته السيدة عائشة، رضى الله عنها.
فى هذه المحنة صمت أبوبكر تمامًا.
وكان طبيعيًا أن يسأل نظمى عن السبب؟
ويجيب هو أيضًا.
يقول: إن صمت أبى بكر يلتبس عند غير الواعى بالجمود أو عدم الفعل، أو ما يسمونه برطانة هذه الأيام سلبية، وهو مع هذا فعل أقوى ما يكون الفعل، وإيجابية أقوى ما تكون الإيجابية، لأنه إحساس قوى جياش مضطرم له حكم أقوى منه بين ملكات النفس وينابيعها، حاكم قد لا يقدره كل إنسان قدره، لأنه ينبوع فذ لا يرقى إليه إلا الأقلون، ينبوع ذلك الحب الفريد، والناس سواهم على غرارهم.
ويرى نظمى أنه كان من الغريب عندما بشر محمد عائشة ببراءتها لم ينطق أبوبكر أيضًا وظل صامتًا، لكنه وبانحياز شديد له، يرى أن مواصلته الصمت أمر يبرز جانبًا آخر من شخصيته، هو جانب الكرامة والترفع.
فلئن قالوا فهو يعلم أنه فوق ما قالوا.
وما كل فرية كفء للرد عليها، ولا سيما حتى تنزل إلى مستوى رمى الأعراض الطاهرة بأخس المفتريات وأقذرها، وبحسبه أنه قد ظهر الحق.
لم ينته الأمر عند هذا بالطبع.
فكل ما فعله أبوبكر فى حادث الإفك أن النبى عندما وقع الحد على الذين تقوّلوا على السيدة عائشة، وفيهم مسطح ابن خالة أبى بكر، أقسم الصديق على أنه لن يعوله كما كان يعمل.
كانت هذه هى بادرة غضب الصديق الوحيدة، وهى فى الوقت نفسه تكشف مساحة جديدة فى شخصية أبى بكر.
فمسطح هذا، كما يروى نظمى، ابن خالة أبى بكر، وأسير فضله لأنه يعوله ويعول أمه، وهو فى الوقت نفسه كان من كبار مروجى هذه الفرية القذرة التى تصم أبا بكر وتقمئه بما هو أنكى من القتل.
يحاور نظمى قارئه ويسأله: أتقول: اتق شر من أحسنت إليه؟
ويزيد الحديث بقوله: نقول أيضًا إنه لا حيلة لك أمام شر بعض الأخساء، ولا سيما إن أنت أحسنت إليهم، لأنهم يضمرون من الحقد على كل حال ما قد لا يجسرون على التعبير عنه، حتى إذا سنحت السانحة كانوا أدنأ الأعداء، بغير سبب ظاهر للبغضاء، إلا ما ينطوون عليه من غل ووضاعة، فكل العداوات قد ترجى إزالتها إلا عداوة من عاداك عن حسد.
يكشف الصمت عن شىء آخر، وضع نظمى يده عليه.
يقول: ليذكر أهل الوعى أن ليس كل فرية قذرة لا تتلقى من المفترى عليه ردًا فهى قائمة على أساس، فأهل الكرامة يترفعون عن النزول بأنفسهم إلى حضيض الاتهام، وكأنه شىء مشروع للمرجفين، وكأنهم إلى الدفاع عن طهارتهم أمام كل شخص يخطر له الخوض فى أعراضهم بسوء نية، فهم أكرم على أنفسهم من هذا، ثم يجب ألا ننسى غضاضة الانشغال بهذه الدناءات التى تشبه المخاط، إن ترفعه تقززت، وإن تتركه تقززت.
كان طبيعيًا بعد ذلك أن يكون قصارى سخط أبى بكر قسمه بأنه لن يعول ابن خالته الآثم، واستثنى أمه لأنها كانت بريئة من ذنبه.
لم يستمر الموقف طويلًا.
فعندما نزل القرآن يطهر السيدة عائشة ويبرئها من التهمة التى لاحقتها، ويسأل: «ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم».
قال أبوبكر ودون تردد: بلى والله إنى أحب أن يغفر الله لى، والله لا أرفع نفقتى عن مسطح أبدًا.
الموقف الثانى: جرت وقائعه بعد وفاة النبى.
أقبل أبوبكر حتى نزل على باب المسجد حين بلغه الخبر، وعمر يكلم الناس، فلم يلتفت إلى شىء، حتى دخل على رسول الله فى بيت عائشة، وهو مسجى فى ناحية البيت عليه برد حبرة «نوع من ثياب اليمن»، فأقبل حتى كشف عن وجه رسول الله، ثم أقبل عليه فقبله، ثم قال له: بأبى أنت وأمى... أما الموتة التى كتب الله عليك فقد ذقتها، ثم لن يصيبك بعدها موتة أبدًا، ثم رد البرد على وجه رسول الله وخرج فإذا عمر يكلم الناس، فقال له: على رسلك يا عمر أنصت.
أبى عمر إلا أن يتكلم، فلما رآه أبوبكر لا ينصت أقبل على الناس، فلما سمع الناس كلامه أقبلوا عليه وتركوا عمر.
حمد أبوبكر الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حى لا يموت، وحضرته هذه الآية فقرأها: «وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم، ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئًا وسيجزى الله الشاكرين».
يأخذ نظمى من هذا المشهد ما يدلل به على ما تخفيه شخصية أبى بكر.
يقول عما جرى: هذه صورة تناقلتها الألسن على مدى الأجيال، رآها الناس بحق فتحًا قائمًا بذاته، ثبت العزائم الواهنة، وأرسى قواعد الإيمان فى النفوس، فلا تميد بذلك الزلزال العظيم، واستخرج منها الأكثرون حقيقة شائعة، أن مفارقة تامة بين أبى بكر وعمر.
أبوبكر كان رجل الواقع، أما عمر فكان رجل عاطفة.
يفند نظمى هذا التصور، فلديه أن هذا كلام لا ينفذ إلى ما وراء السطح من سلوك الرجلين الظاهرى.
فعمر كان رجل عاطفة فى هذا المقام ولا مراء، ولكن أبا بكر كان أيضًا رجل عاطفة فى هذا المقام بالذات على الخصوص، وكانت عاطفته أقوى من عاطفة عمر وأعمق.
كانت عاطفة أبى بكر على مستوى أعلى، ليست عاطفة الجزع أمام مفاجأة، أو عاطفة إشفاق على النفس من هول ما منيت به من رزق لا كفاء له، وهو حال عمر.
بل كانت عاطفة الإحساس بالواجب نحو محمد فى هذا الوقت العصيب، كانت عاطفة المشغول بمحمد لا المشغول بنفسه، كانت عاطفة من ينسى مصيبته على جسامتها وفداحتها، فلا يذكر شيئًا سوى ما ينبغى لمحمد، وقد ألم به طائف الموت.
أما محمد المعنى والمبدأ والدعوة والدولة.. فذلك ما ينبغى ألا يسمح للموت بالاجتراء عليه.
إنها العاطفة الراقية التى تلزم صاحبها وتلهمه يقظة العقل والحس وضبط النفس وحضور البديهة، وتوقد القريحة، كى يكون نعم الحارس أمام هذا الغائل الرهيب، فلا يسمح له بتجاوز ما وقع فى يده فعلًا، وهو على كل حال أمر لا محيص عنه، فلا جدوى من الجمود عنده، وما يستغرقه الجزع من همته هو أحوج ما يكون إلى استجماعه للقيام بالحراسة الواعية الضاربة لتراث محمد حتى لا يذهب بذهاب بدن محمد.
تمت البيعة لأبى بكر، فصار الخليفة، وبذلك أعطيت القوى لباريها، وصار أشد الناس حبًا لمحمد هو بعينه حارس مجد محمد، والحفيظ على ما أرسى قواعده وما مثله فى الحياة، وبوحى هذا الحب نفسه وبوحى هذه الغيرة.
وقف أبوبكر يقول للناس غداة وفاة النبى: أيها الناس.. إنما أنا مثلكم وإنى لا أدرى لعلكم ستكلفوننى ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطيق، إن الله اصطفى محمدًا على العالمين، وعصمه من الآفات، وإنما أنا متبع ولست بمبتدع، فإن استقمت فتابعونى، وإن زغت فقومونى، وإن رسول الله قبض وليس أحد فى هذه الأمة يطلبه بمظلة سوط فما دونها، ألا وإن لى شيطانا يعترينى، فإذا أتانى فاجتنبونى.
يصف نظمى لوقا كلام أبى بكر الصديق هنا بأنه كلام رجل يقدر مسئوليته التى لا مسئولية مثلها تمام التقدير، فهو مدرك كل الإدراك حدود طاقته، ومدرك كل الإدراك ذلك الفارق بين ذاته وذات محمد، وبين وضعه ووضع محمد.
«أيها الناس إنما أنا بشر مثلكم».. ولا يعنى بذلك أنه مثلهم بشر، فقد كان محمد بنص القرآن بشرًا، بل يعنى أنه بشر ليس له مدد من الوحى ولا سند من العصمة.
«وإنى لا أدرى لعلكم ستكلفوننى ما كان رسول الله يطيق».. وكيف عساه يطيق ما كان يطيق؟
أليس الله قد اصطفى محمدًا على العالمين وعصمه من الآفات.
يرى نظمى أن هذا إجماع الفوارق بين أبى بكر ومحمد.
محمد ليس كمثله أحد، وإن كان بشرًا، لأن الله اصطفاه على العالمين دون معاصريه جميعًا، وخصه وحده بالعصمة من الآفات، أما أبوبكر فيجب أن يراه رعيته على حقيقته، رجلًا مثلهم غير معصوم من الآفات والنقائض، وليس الله هو الذى اصطفاه وإنما هم الذين اختاروه وبايعوه وارتضوه.
ويسأل نظمى: من أين يلتمس أبوبكر المرجع للإصابة والسداد، حيث لا عصمة من الزلل والآفات؟
ويجيب: محمد المعصوم هو المرجع، وإنما أنا متبع وليس بمبتدع، ليس من عند أبى بكر ما يأمرهم به منذ اليوم، ولا عن هواه ورأيه يصدر، بل عن فعل محمد وقوله، فإن أطاعوه إنما محمد على الحقيقة يطيعون.
شعار الاتباع، كما يرى نظمى، والذى استخدمه أبوبكر هو أوفق شعار لقوم حديثى عهد بدين تحول بهم عن دين أجدادهم، ولئن دانوا فعن طاعة لمن ينطق بوحى السماء، أما وقد انقطع الوحى وصار الأمر لبشر منهم فلا أساس لولائهم ولا ضمان.
وتأسيسًا على إقامة هذا المرجع الأوحد للسياسة والحكم، يجب أن يكون هذا المرجع فوق الجميع بلا استثناء، فوق أبى بكر وفوق جميع الرعية على السواء.
كان محمد عند أبى بكر بشرًا يتمثل فيه المثل الأعلى، فما بلغه عن ربه وما قضى به وشرعه للناس هو الدستور الذى لا يرقى إليه ضرب من الشرائع والقوانين والآراء.
ذهب محمد البشر، وبقى محمد سلطانًا أعلى تعنو له كل هامة، ويتطامن أمامه بكل بأس، ويطاطئ له كل رأس، ومنه ينبع كل سند شرعى للسلطان.
وحينما تعلق الأمر بهذا القانون الأعلى لا يمكن بحال من الأحوال أن يكون استثناء، فما النفس وما الولد وما كل الناس بجانب هذا القانون والمثل الأعلى الذى يتحدى فيه أبوبكر الموت وعوادى الدهر، بعد أن صار محمد رهين القبر؟
بهذا أخذ أبوبكر نفسه وأخذ خاصة أهله، وأخذ أولى الناس بالرعاية والحدب، فقد تدمع عينه رقة لهم ويهتز قلبه، ولكنه لا يستثنى منهم أحدًا فى الخضوع المطلق لما يأمر به هذا القانون الأعلى، قانون محمد بشريعة القرآن وصحيح السنة.
كان محمد أحب إليه من أهل الدنيا جميعًا، لا يستثنى من ذلك الحب أحدًا، لا نفسه ولا ولده، ثم مات محمد فكان حبه لمحمد المعنى الباقى محور وجوده ومحور وجود كل نظرة جامعة بعامة، ولا يستثنى من ذلك أحدًا ولو كانت فاطمة بنت محمد.
الموقف الثالث: هنا نأتى إلى الموقف الأكبر، أو الواقعة الأكثر حرجًا التى ينتظم فيها اسم أبى بكر إلى جوار اسم السيدة فاطمة بنت النبى محمد.
يقدم نظمى لما يريده بقوله: فاطمة بنت محمد، تلك التى أحبها أبوها كما لم يحب أحدًا من الناس، وهى بعينها ضرب بها محمد مثلًا فى سيادة القانون: والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها.
القانون فوق كل إنسان ولا استثناء، هكذا استنّ محمد وبهذا بلغ عن ربه، وأشهد الناس على ذلك، أو لم يكن محمد هو الذى دعا الناس إلى القصاص من شخصه بموجب هذا القانون، إن كان جلد لأحد منهم ظهرًا أو لطم خدًا.
هل اقتربنا مما يريده نظمى؟
أعتقد أننا اقتربنا جدًا، يقول: هذا القانون هو كل ما بقى من محمد بعد موته، فكيف يكون منه استثناء ولو لفاطمة ابنته؟
مناسبة ذلك أن فاطمة ذهبت إلى أبى بكر تطلب منه أن يمكنها من ميراث أبيها، لكنه رفض.
قال لها: يا ابنة رسول الله والله ما ورث أبوك دينارًا ولا درهمًا، وإنه قال: إن الأنبياء لا يورثون.
ردت عليه فاطمة: إن «فدك» وهبها لى رسول الله.
فقال أبوبكر: فمن يشهد على ذلك؟
أتت فاطمة بعلى بن أبى طالب زوجها فشهد.
وجاءت أم أيمن فشهدت، وجاءا عمر بن الخطاب وعبدالرحمن بن عوف فشهدا أن رسول الله كان يقسمها على آل بيته وعلى الفقراء والمساكين.
فقال أبوبكر: صدقت يا ابنة رسول الله، وصدق على، وصدقت أم أيمن، وصدق عمر وعبدالرحمن بن عوف، وذلك أن مالك لأبيك، كان رسول الله يأخذ من فدك ويقسم الباقى منه فى سبيل الله، فما تصنعين أنت بها؟
قالت فاطمة: أصنع بها كما يصنع أبى.
فرد أبوبكر: فلك على عهد الله أن أصنع كما كان يصنع فيها أبوك.
سألته فاطمة: والله لتفعلن؟
فرد أبوبكر: والله لأفعلن.
قالت فاطمة: اللهم فاشهد.
يعلق نظمى لوقا: هذا موقف بالغ الشدة على أبى بكر، لكنه انحاز إلى تطبيق قانون محمد، ولذلك استجمع شجاعة إيمانه وقالها صريحة حاسمة مدوية: لا استثناء لكائن من كان، ولو فاطمة بنت محمد.
قالها وعينه تدمع وقلبه يدمى، ولكنه قالها لأنه لم يكن له عن قولها محيص، مدفوعًا فى إغضاب وحيدة محمد بحله الفذ لمحمد، واشتدت لواعج الألم لذلك الثمن الباهظ الذى أداه فى سبيل سيادة القانون، فصحب عمر بن الخطاب يسعيان إلى بيت فاطمة يريدان استلال غضبها بالمحاسنة والتبرير، لا بالرجوع عما رآه أبوبكر واضحًا كالشمس وقت الضحى، واستأذنا عليها فأبت أن تأذن لهما.
ألحا عليها فأدخلتهما، فلما قعدا عندها حولت وجهها إلى الحائط.
سلما عليها فلم ترد عليهما السلام.
تكلم أبوبكر فقال: يا حبيبة رسول الله، والله إن قرابة رسول الله أحب إلى من قرابتى، وإنك لأحب إلى من عائشة ابنتى، ولوددت يوم مات أبوك أنى مت ولا أبقى بعده، أفترانى أعرفك وأعرف فضلك وشرفك ثم أمنعك حقك وميراثك من رسول الله، إلا أنى سمعت أباك رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: لا نورث.. ما تركناه صدقة.
فردت فاطمة: أرأيتكما إن حدثتكما حديثًا عن رسول الله تعرفانه وتفعلان به؟
قالا لها: نعم.
فقالت فاطمة: ناشدتكما الله ألم تسمعا رسول الله يقول رضاء فاطمة من رضائى وسخطها من سخطى.
قالا: نعم.
قالت: إنى أشهد الله وملائكته أنكما أسخطتمانى وما أرضيتمانى، ولئن لقيت النبى لأشكوكما إليه.
فقال أبوبكر: أنا عائذ بالله من سخطه وسخطك يا فاطمة، ثم انتحب وبكى حتى كادت نفسه تزهق، وخرج فاجتمع إليه الناس فقال لهم: يبيت كل رجل منكم معانقًا حليلته مسرورًا بأهله وتركتمونى وما أنا فيه؟ لا حاجة لى فى بيعتكم أقيلونى بيعتى.
ويعلق نظمى: ما من عاطفة شخصية امتحنت بأحرج من هذا الامتحان العصيب، وثبت أبوبكر، لا بيعة صحيحة يمكن أن تسمح له أمام ضميره وأمام حبه لمحمد المثل والقدوة ومحمد القانون لبنت محمد بما يراه استثناء واضحًا من قانون محمد، إن قلبه ليتصدع حزنًا وأسى، ولكنه مع هذا لا يملك ولا يستطيع هذا الاستثناء.
عرضنا لكم زوارنا الكرام أهم التفاصيل عن خبر محمد الباز يكتب: ثبات أبى بكر.. بين إفك السيدة عائشة وميراث السيدة فاطمة على دوت الخليج فى هذا المقال ونتمى ان نكون قدمنا لكم كافة التفاصيل بشكل واضح وبمزيد من المصداقية والشفافية واذا اردتكم متابعة المزيد من اخبارنا يمكنكم الاشتراك معنا مجانا عن طريق نظام التنبيهات الخاص بنا على متصفحكم او عبر الانضمام الى القائمة البريدية ونحن نتشوف بامدادكم بكل ما هو جديد.
كما وجب علينا بان نذكر لكم بأن هذا المحتوى منشور بالفعل على موقع جريدة الدستور وربما قد قام فريق التحرير في دوت الخليج بالتاكد منه او التعديل علية اوالاقتباس منه او قد يكون تم نقله بالكامل ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر من مصدره الاساسي.